أغلق    
             
                                 

 

الخطاب الذى وجهه مولانا الإمام الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان شيخ الطريقة

 
  أعلى الصفحة  

الى الأمة الإسلامية مساء الأربعاء الخامس من شهر أبريل عام 2017

(نسخة للطباعة)

 

  العـودة  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب.. وأظهر الحق بالحق.. وأتمَّ نوره ونعمته.. وجعل كيد الكافرين فى تباب.. غافر الذنب وقابل التوبة شديد العقاب.. خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب.. من عمل صالحًا فلنفسه، والله عنده حسن الثواب.. ومن أساء فعليها، وما متاع الدنيا إلا سراب.. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المستغفِر التواب.. خُلُقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله وفعله فصل الخطاب.. قدوة الأمم، وقمة الهِمَم، ودُرة المقربين والأحباب.. يا رب، صلِّ على الحبيب المصطفى والصحب والآل أهل الفضائل والمواهب والرشاد.

الأحباب من كل مكان..

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..

إن الإسلام دين السلام، دين الرحمة لسائر المخلوقات، قال تعالى ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[107 الأنبياء، فهو الرحمة المهداة بِدين الخير، لا يجحد ذلك إلا من جهل الحقيقة، قال تعالى ]ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[40 يوسف، إن الإسلام يُحَرِّم العدوان، قال تعالى ]وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[190 البقرة، ويؤكد على معانى العدالة والتسامح، وسمو الحوار والتواصل بين الناس، فإننا ندعوا شعوب العالم والمنظمات الدولية إلى التعرف على الإسلام من مصادره الأساسية الحقيقية لمعرفة ما فيه من حلول للمشكلات البشرية.

والحقيقة التى أشار إليها القران الكريم بأن كل الديانات السماوية تستسقى من معين واحد وتدعوا إلى إله واحد بنص الشارع الحكيم، قوله تعالى ]شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا[13 الشورى، نحن الذين نُؤمن بالإسلام لا نفرق بين رسول ورسول من حيث الإيمان، ومن حيث الاعتقاد بأن هؤلاء رسل الله إلى الناس، قال سبحانه وتعالى ]لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[285 البقرة، وحين تغير التوحيد وتبدّلت الشرائع كانت ]لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ[2 الكافرون، لقد كانت الدعوة للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة مع الأخوة فى الأديان الأُخرى، فقال ]وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ[46 العنكبوت، وهى أرزاق مُقدَّرة، بل لم يُجبر أحداً على الدخول عنوة فى الإسلام، ففتح باب ]لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ[256 البقرة، كما تجد الإسلام يُعطى أماكن عبادات الديانات الأخرى كامل قُدسيتها، قال تعالى ]وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا[40 الحج.

فالعلاقة مع أهل الديانات الأخرى قائمةٌ على الاحترام وليس ثمّة مانع من أن يكون بيننا وبين أهل الكتاب علاقات طيّبة، وتتجلى آية عظيمة فتقول ]وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ[5 المائدة، وما ذَكَرَ الله الطعام إلا لاحتمال اللقاءات والضيافات.

الجمع الكريم..

إن كتاب الله كان ومازال الجامع للأنبياء والصالحين، كذا قصص الأولين والآخرين، وسيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما يقول: لو ضاع لى عقال بعير لوجدته فى كتاب الله تعالى.

وأخرج أبو الشيخ عن سيدنا أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال: أن الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه قال ﴿إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَوْ أَغْفَلَ شَيْئًا، لَأَغْفَلَ الذّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ وَالْبَعُوضَةَ﴾.

ويقول يزيد بن ميسرة: من أراد بعلمه وجه الله تعالى أقبل الله بوجهه ووجوه العباد إليه، ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله وجهه ووجوه العباد عنه.

ويقول سيدنا أنس أن النبى قال ﴿ألا أخبركم بأَجْوَد الأَجْوَاد؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: الله أَجْوَد الأَجْوَاد، وأنا أَجْوَد ولد آدم، وأَجْوَد مَن بعدى رجلٌ عَلَم علماً فنشره، يُبعث يوم القيامة أُمّة وَحْدَه، ورجلٌ جاد بنفسه فى سبيل الله حتى قُتِل﴾.

وقد قيل: (زلّة العالم مضروبٌ بها الطبل وزلّة الجاهل يُخفيها الجهل) وأخرج ابن أبى شيبة فى مصنفه عن الحسن قال: اطْلُبُوا الْعِلْمَ طَلَبًا لَا يَضُرُّ بِالْعِبَادَةِ، وَاطْلُبُوا الْعِبَادَةَ طَلَبًا لَا يَضُرُّ بِالْعِلْمِ، فَإِنَّ مَنْ عَملَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ.

فالعلوم أقفال والأسئلة مفاتيحها، كما قال خليل الرحمن عليه السلام.

فالإمام المبين حوى توراة سيدنا موسى وزَبور سيدنا داود، وإنجيل سيدنا عيسى وسبقهم بصحف الخليل عليهم السلام أجمعين، لقد قام على حفظ الكتب السماوية من التحريف، لأنها إلَهية جمعت فأوفت، لذلك كان الإسلام الخاتم المُتمم لما سبق، ليس هذا فحسب بل نجد بعضاً من سُوَرِه حَوَتْ أسماء الأنبياء مثل سورة الأنعام، بل وسُمّيت بعض سُوَرِه بأسماء الأنبياء.

وإذا أمعنّا النظر أكثر نجده ألقى الضوء على قصة سيدنا يوسف عليه السلام، حتى أنه جمعها مرّة واحدة لأنها تحوى فى باطنها قصة السير إلى الله تعالى، كما سبق وتعرض لكريم خُلُق الحبيب ، كذا استقبال الرب الرحيم لبعثةِ سيد الأولين والآخرين فى رحلة المعراج وسبقها الإسراء العظيم.

لقد قام القرآن على جمع شمل مختلف الطوائف المنتمية إلى الإسلام مهما اختلفت آراءها بصورةٍ أو بأُخرى.

وعلّمنا الإمام فخر الدين محبة واحترام أصحاب الرسول الكريم وعدم الخوض فيهم وعلى رأسهم ساداتنا الكرام أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم أجمعين، وأحوج ما يكون إليه المرء لدينه فى هذه الأيام مثل هذه التعاليم، فكثيراً ما تجد مَن يعترض أو ينتقد على أقوام قال فيهم الحبيب المصطفى ﴿إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِى فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا﴾ فإن كان يجهل غيركم لا تجهلوا، لأنه ليس من المساغ للمريد أن يتحول عما أرشد إليه شيخه، ويلجأ للإستشهاد بمن يتطاولون بالقول أو الفعل على أصحاب سيدنا رسول الله ، فلكل قوم فى الموارد مشرب، ولكل قوم قدوة، من يقتدى؟!

أيها الأحباب..

تعلَّموا العلم فإن تعلّم العلم خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وهو الأنيس فى الوحدة، والصاحب فى الخلوة، والدليل فى السراء والضراء، والوزير عند الأخلاء، والقرين عند القرناء، ومنار سبيل الجنة.

جاء رجل إلى سيدنا معاذ بن جبل وقال: أخبرنى عن رجلين أحدهما مجتهد فى العبادة كثير العمل قليل الذنوب إلا أنه ضعيف اليقين؟

فقال سيدنا معاذ: ليحبطن شكه بر أعماله.

قال: فأخبرنى عن رجل قليل العمل إلا أنه قوى اليقين؟

فسكت سيدنا معاذ.

فقال الرجل: والله لئن أحبط شك الأول عمله، ليحطن يقين هذا ذنوبه كلها. فأخذ سيدنا معاذ بيده وقال: ما رأيت أفقه من هذا.

وأخرج الإمام أحمد فى المسند عن أبى سعيد قال أن النبى قال:

﴿الْقُلُوبُ أَرْبَعَة: قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ. وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلاَفِهِ. وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ. وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ:

فَأَمَّا الْقَلْبُ الأَجْرَدُ: فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ الأَغْلَفُ: فَقَلْبُ الْكَافِرِ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ: فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرفَ ثُمَّ أَنْكَرَ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ: فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ -والعياذ بالله- فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ، يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ، يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ، فَأَىُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ﴾.

أيها الكرام..

يقول الحق سبحانه وتعالى ]لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَىْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ[92 آل عمران، لقد جمعت الآية بين البر (أى درجة الأبرار) وبين العطاء، أن تعطى ممّا تحب، وأن تحرم نفسك من شىء تتعلّق به، فتعطيه لإنسان آخر، لتعيش الإسلام بكلّ رحابته، فلا ينبغى للمسلم أداء العبادات من صلاة وصوم وغيرهم بصورة فرديّة بعيداً عن شئون المجتمع، بل عليه أن يكون فعّالاً فى محيطه، مفيداً لغيره، معاوناً فى نشر الخير، ومساهماً فى قوّة مجتمعه؛ فلا وجود للأنانيّة والبخل فى شخصيّة المسلم الملتزم.

إن الإنفاق يُمثل روح العطاء ليس على صعيد التكافل الإجتماعى فحسب، بل حتى على صعيد البناء الروحى للإنسان المنفق الذى يحتاج إلى أن يتصدّق حتى يحصل على القرب من الله سبحانه وتعالى والبركة فى هذه الحياة، وعلينا أن نسعى لتحصيل هذا الجانب، لما للصّدقة من آثار فى المتصدّق فى الدنيا، وحتى الآخرة، وجديرٌ بنا أن نفرق بين من ينفق بدراية كاملة لأهمية الإنفاق من غيره، فالأول يولى الإنفاق كلّ اهتمامه ويسعى إليه بكلّ جهده؛ باعتباره مظهر الإخلاص لله تعالى، والشكر لنعمائه التى لا تُحصى، قال الله تعالى ]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ[215 البقرة.

إنّ وصفَ القرآن للإنفاق بالخير أمرٌ يستحقّ الوقوف عنده؛ ولنا هنا وقفة فلنتسائل: ما هو وجه الخير؟ وكيف يكون؟ قد نستوحى من ذلك، أنّ ماهية النفقة ليست مهمة، فقد تكون مالاً أو طعاماً أو كسوة، أو غيرها، لكنّ المهمّ هو كيف نوزّعها، وكيف نستثمرها اجتماعيّاً، بأن يستفيد منها الناس بتلبية حاجاتهم وتحقيق أهدافهم، من أى نوع من الأنواع التى تمثّل حاجة النّاس؛ باعتبار أنّ العطاء تجسيداً للخير، قال تعالى ]إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا % الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[37 النساء، قيل المختال الفخور: كل معجب بنفسه من علمٍ ومالٍ وجاه، وصفتى البخل والتكبر تمنعان الإنسان من الانفتاح على الفئات المحرومة فى المجتمع، وتوحيان إليه بالحرص على ماله الذى أوصله إلى هذه المكانة.

واعلم وفقنا الله وإياك أن ما تشير إليه الآية الكريمة: أن تعيش إنسانيّتك، بمعنى أن تعيش مع الآخرين آلامهم وهمومهم، وتسعى إلى تلبية حاجاتهم بنفسك ومالك ما استطعت، وإلا سوف تقع فى دائرة التكبّر والبخل، وتكون ممّن لا يحبّهم الله تعالى، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده، فقد ورد عن الإمام على كرم الله وجهه أنه قال (من جاد ساد، ومن بخل ذل).

فيجب علينا التخفيف من معاناة الأيتام والفقراء والعجزة والمساكين بالمداومة على الصدقة، وتربية صغارنا على حُبّ العطاء والإنفاق فى سبيل الله، حتى نبنى جيلاً واعياً مُحبّاً عطوفاً ومِعطاءً فى هذه الحياة.

أيها الأخوة والأخوات..

على صعيد التصوف والصوفية نجد المحبة أرخت أستارها على رؤوس المحبين وفرحت بقول سيد المرسلين ﴿الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ﴾ وتتجلى المحبة فى صورة من أعظم صورها عندما قام الحبيب المحبوب صلوات ربى وسلامه عليه على المنبر خطيباً ويدخل رجل المسجد فيقول: يا رسول الله متى الساعة؟ ويشير إليه الصحابة أن يسكت، ويكرر السائل سؤاله مرّة تلو الأخرى حتى يجيبه جابر الخواطر بقوله: ماذا أعددت لها؟ فيقول الرجل: حب الله ورسوله، فيقول ﴿فأنت مع من أحببت﴾ وصَدَقَ الله إذْ يقول ]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[69 النساء.

ويتخلل الذكر القلوب، فنجد سورة الأعلى تخبرنا عن قِدَم الذكر فيقول عز من قائل ]قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ¤ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ¤ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ¤ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ¤ إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى ¤ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى[14 : 19 الأعلى.

أما سورة المزمل فتُخبر كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن فرضية الذكر وردت قبل الأركان الأربعة للإسلام عندما ناداه رب العرش فى سورة المزمل قائلاً ]يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ[ حتى وصل سبحانه لقوله ]وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا[8 المزمل.

وتتوالى آيات الذكر بصيغة الجمع حين قال ]الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ[191 آل عمران، وأيضا قوله تعالى ]فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ[103 النساء، هذا على سبيل المثال لا الحصر فنجد آيات الذكر تغزو القلوب والعقول.

أحبابى فى رسول الله..

فإذا خصصنا من أهل التصوف طريق سيدى أبى العينين نجد الإمام سيدى فخر الدين يقول فى نظمه الفريد:

فَتَدَارَسُوهَا لَا قِرَاءَةَ عَابِرٍ
 

 

مُسْتَعْبِرٍ فِيهَا يُفَنِّدُ قَوْلَهَا
 

كما قال:

الْعِلْمُ غَثٌّ أَوْ سَمِيـ
 

 

نُ لِلْقُلُوبَ يُخَضِّبُ
 

فأرشد الأمة إلى العلم الراقى الذى يُصلِح به الفرد أمر دينه ودنياه، وبدأها لنا من أول الأمر وهى (العقيدة) التى لا يصح للمرء من عملٍ بغيرها، وامتداداً لإرشاده من إلقائه الدروس اليومية فى مختلف العلوم جاءت قصائده لتهدى العقول:

تُضَاءُ بِهَا الْحَوَالِكُ مِنْ عُجابٍ
 

 

لِتَهْدِيَكُمْ إِذَا مَا اللَّيْلُ جَنَّ
 

إن التدارس يجمع المحبين على مائدة الصفا فيأخذهم إلى طريق التسامح ليمحو من طريقهم عواصف الخلافات ودوامات المشاكل، ليعصفهم برياح القرب، فيتفتّق القلب عن فقه المعانى الراقية وتسمو الروح آمنة مطمئنة لتسبح بين أهل الصفا إلى مَن مِن أجله تنزّلت، حيث قال (من أجل إبراهيم قد أمليتها) بعد أن قال (من أجل إبراهيم بعد رجائه) فكان لاسمه الكريم شرف التنزيل فما بالكم بصاحب الاسم الميمون، بل زاد التخصيص حرمة حين قال (فمن يقبله إبراهيم) من حضرة التكريم الذى (من كفيه صرفاً تشربون) فهو ربان السفينة أزلاً وأبداً بعد اختيار الحضرتين، ليس بصفته الوارث الحامل للأمانة، بل لأنها سُنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً أو تحويلاً، وقد أشار إلى ذلك الإمام فخر الدين بقوله:

وَفِينَا يَكُونُ الْإِخْتِلَافُ تَعَاقُبُ

أى من ابن إلى ابن الابن وذلك قبل أن يسبق ويقول:

وَلِى فِى ابْنِ آمِنَةٍ وَصِيَّةُ وَارِثٍ

فحقا كل شىء أحصيناه فى إمام مبين، وما جُعل الإمام إلى ليؤتم به، فكل عام يتجدد بنا اللقاء فى ذكرى الإمامين فتتشرف الأسماع بأحاديثهم، وتتعطر الأرواح بنفحاتهم، فهم كرام السوح حقاً:

مَا كِتَابُ اللهِ إِلَّا جَمْعُنَا
 

 

إِنَّمَا الْأَحْبَابُ آيَاتٌ بِهِ
 

من الخلفاء اللاحقين بعد الخلفاء الراشدين لكى يستتم بهم الدين

وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكل عام وأنتم بخير

¤¤¤

 
  العـودة