من تفسير القرطبى فى سورة الصافات الآية 22:
﴿احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون، من دون الله فاهدوهم إلى صراط
الجحيم، وقفوهم إنهم مسؤولون، ما لكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون، وأقبل
بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قالوا بل لم
تكونوا مؤمنين...﴾
قوله تعالى: ﴿وأقبل بعضهم على بعض﴾ يعنى الرؤساء والأتباع ﴿يتساءلون﴾ يتخاصمون.
و﴿يتساءلون﴾ ها هنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه فى أنه أضله أو فتح بابا من
المعصية؛ يبين ذلك أن بعده ﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ قال مجاهد: هو قول الكفار
للشياطين. قتادة: هو قول الإنس للجن. وقيل: هو من قول الأتباع للمتبوعين؛ دليله
قوله تعالى: ﴿ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول﴾
سبأ 31.
قال سعيد عن قتادة: ى تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها. وعن ابن عباس نحو منه.
وقيل: تأتوننا عن اليمين التى نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح. والعرب
تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح. وقيل: ﴿تأتوننا عن اليمين﴾ تأتوننا مجيء
من إذا حلف لنا صدقناه. وقيل: تأتوننا من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة
وتنفروننا عنها.
قلت: وهذا القول حسن جدا؛ لأن من جهة الدين يكون الخير والشر، واليمين بمعنى الدين؛
ى كنتم تزينون لنا الضلالة. وقيل: اليمين بمعنى القوة؛ ى تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر؛
قال الله تعالى: ﴿فراغ عليهم ضربا باليمين﴾
الصافات 93-
ى بالقوة وقوة الرجل فى يمينه؛ وقال الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
أى
بالقوة والقدرة. وهذا قول ابن عباس. وقال مجاهد: ﴿تأتوننا عن اليمين﴾ أى من قبل
الحق أنه معكم؛ وكله متقارب المعنى.
وعن قوله: "فراغ عليهم ضربا باليمين" خص الضرب باليمين لأنها أقوى والضرب بها أشد؛
قال الضحاك والربيع بن أنس. وقيل: المراد باليمين اليمين التى حلفها حين قال:
﴿وتالله لأكيدن أصنامكم﴾
الأنبياء 57.
وقال الفراء وثعلب: ضربا بالقوة واليمين القوة. وقيل: بالعدل واليمين ها هنا العدل.
ومنه قوله تعالى: ﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين﴾
الحاقة 44-
أى بالعدل، فالعدل لليمين والجور للشمال. ألا ترى أن العدو عن الشمال والمعاصى عن
الشمال والطاعة عن اليمين؛ ولذلك قال: ﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾
الصافات 28-
أى من قبل الطاعة. فاليمين هو موضع العدل من المسلم، والشمال موضع الجور. ألا ترى
أنه بايع الله بيمينه يوم الميثاق، فالبيعة باليمين؛ فلذلك يعطى كتابه غدا بيمينه؛
لأنه وفى بالبيعة، ويعطى الناكث للبيعة الهارب برقبته من الله بشماله؛ لأن الجور
هناك. فقوله: ﴿فراغ عليهم ضربا باليمين﴾ أى بذلك العدل الذى كان بايع الله عليه يوم
الميثاق ثم وفى له ها هنا. فجعل تلك الأوثان جذاذا، ى فتاتا كالجذيذة وهى السويق
وليس من قبيل القوة؛ قاله الترمذى الحكيم.
وفى تفسير الإمام السيوطى:
أخرج ابن جرير عن ابن عباس
فى قوله ﴿ما لكم لا تناصرون﴾ قال: لا تمانعون منا ﴿بل هم اليوم مستسلمون﴾ مسخرون
﴿وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ أقبل بعضهم يلوم بعضا قال: الضعفاء للذين استكبروا
﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ تقهروننا بالقدرة عليكم ﴿قالوا بل لم تكونوا مؤمنين﴾
فى علم الله ﴿وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين﴾ مشركين فى علم الله
﴿فحق علينا قول ربنا﴾ فوجب علينا قضاء ربنا لأنا كنا أذلاء، وكنتم أعزة ﴿فإنهم
يومئذ﴾ قال: كلهم ﴿فى العذاب مشتركون﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة
فى قوله: ﴿وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ قال: الأنس على الجن قالت الأنس للجن
﴿إنكم تأتوننا عن اليمين﴾ قال: من قبل الخير فتهنونا عنه. قالت الجن للأنس ﴿بل لم
تكونوا مؤمنين، فحق علينا قول ربنا﴾ قال: هذا قول الجن ﴿فأغويناكم إنا كنا غاوين﴾
هذا قول الشياطين لضلال بنى آدم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحسن
فى قوله ﴿كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ قال: كانوا يأتونهم عند كل خير ليصدوهم عنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد
فى قوله ﴿تأتوننا عن اليمين﴾ قال: عن الحق؛ تقوله الكفار للشياطين.
وفى تفسير الإمام الطبرى:
القول فى تأويل قوله تعالى: ﴿قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾
يقول تعالى ذكره: قالت الإنس للجن: إنكم أيها الجن كنتم تأتوننا من قبل الدين والحق
فتخدعوننا بأقوى الوجوه؛ واليمين: القوة والقدرة فى كلام العرب؛ ومنه قول الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
يعني: بالقوة والقدرة.
وبنحو الذى قلنا فى ذلك قال أهل التأويل. وعن مجاهد، فى قوله: ﴿تأتوننا عن اليمين﴾
قال: عن الحق، الكفار تقوله للشياطين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن
اليمين﴾ قال: قالت الإنس للجن: إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قال: من قبل الخمر،
فتنهوننا عنه، وتبطوننا عنه.
وعن السدى، فى قوله: ﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ قال: تأتوننا من قبل الحق
تزينون لنا الباطل، وتصدوننا عن الحق.
وفى تفسير ابن كثير (مختصر الصابونى):
التفسير: ﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾، قال ابن عباس، يقولون: كنتم تقهروننا
بالقدرة منكم علينا، لأنا كنا أذلاء وكنتم أعزاء، وقال مجاهد: يعنى عن الحق، تقوله
الكفار للشياطين، وقال قتادة: قالت الإنس للجن: ﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾،
قال: من قبل الخير فتنهونا عنه وتبطئونا عنه، قال الحسن: أى واللّه يأتيته عند كل
خير يريده فيصده عنه، وقال ابن زيد: معناه تحولون بيننا وبين الخير، ورددتمونا عن
الإسلام والإيمان والعمل بالخير الذى أمرنا به. |