ليس هناك ما يسمى بالسيطرة الروحية، وإن كنا نتمنى أن يوجد هذا الشيئ كما نتمتى أن
يسود الخير ويمحى الشر، ولكن ليس كل ما نتمناه نجده فالدنيا دار اختبار، ونحن إنما
نتمناه لأننا نرى أمامنا الكثير من الشباب يضل وينحرف أو يتطرف ولا نملك له شيئا
إلا إن هداه الله وألقى فى قلبه المحبة، فنحن يمكننا أن ننصح بالذكر والأوراد ونبين
فوائدها ونرغب فيها، ولكننا لا نملك أن نجبر أحد على العمل.
نحن معك أنه قد توجد بعض المفاهيم الخاطئة يمر بها بعض المريدين الجدد فى مراحل
الطريق أحيانا، ولكن ذلك يزول بالعلم والتعلم والنضج الدينى الذى هو وليد الذكر
والأوراد، وقد أحسنت صنعا بالسؤال ليطمئن قلبك ولتعرفى الحق وهو أحق أن يتبع.
واعلمى أنه لا سلطان لفرد على أى فرد آخر عندنا إلا بسلطان المحبة، بمعنى أنه لا
يدفع أحد أن يسمع لغيره أو يطيعه إلا إذا أحبه، وبالتالى فلا يسمع المريد لتعاليم
الشيخ إلا بالمحبة، تلك المحبة التى يضعها الله فى قلبه من خلال ذكره وأوراده، ولا
تأتى المحبة للشيخ إلا من خلال خبرته بالطريق إلى الله، ومن خلال اكتساب ثقة مريده
فيه لتحققه من إصلاحه لنفوسه تدريجيا وتخليه عن سابق عاداته السيئة، ودخول الهمة
إلى قلبه من خلال حسن إرشاد الشيخ له ومساعدته فى التغلب على عقبات السير، وبعد
قراءة أوراده وتذوق حلاوتها والبدء بالسير إلى الله، وبعد أن يدخل نور الإيمان إلى
قلبه، وكما ذكر أهل الله فى ذلك: ويمتلئ الوعاء بالنور حتى يعم النور أطراف الوعاء،
وبغير هذا لا يكون شيخا ولا يكون خبيرا.
وبالمناسبة فهذه هى السنة، فالصحابة لم يسمعوا ويطيعوا للنبى ص دون قيد أو شرط إلا
عندما أحبوه ووثقوا به من خلال إرشاده المستمر لهم، وإحساسهم بتطهر نفوسهم
وأرواحهم، وزوال غبار وغشاوة الجاهلية عنهم، وعندها آمنوا به وهداهم إلى الله
فآمنوا بالله، ومن كره النبى حتى من أهله لم يستطيع أن يؤمن بالله.
والشيخ يرشد المريد فى الأوراد والسير إلى الله، وليس بالضرورة أن يدخل معه فى باقى
الأمور، فهدف الطريق الأوحد هو السير إلى الله، وإن كان الله تكفل بأن تكون الدنيا
فى خدمة من يخدمه، يقول الحق سبحانه وتعالى فى الحديث القدسى: ﴿يا دنيا من خدمنى
فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه﴾
رواه أبو نعيم وغيره.
والقاعدة ألا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، وبعد ذلك فالطاعة للشيخ الخبير وحده فى
أمور الطريق إلى الله، فهو وحده المسئول عن التوجيه فى هذا الأمر، أما باقى أهل
الطريق وتابعيه فلهم الاحترام والمحبة، وهم إن تحدثوا فى أمور الطريق فإنما ينقلون
عن الخبير، وهو واضح فى هذا الموضوع تماما، فإن كان وصلك مفهوم غير ذلك فإنه يكون
مفهوم خاطئ، قد يكون نابع من مبالغة فى محبة، ولكنه ليس من المفاهيم المقصودة فى
الطريق.
وعلى الرغم من أن المبالغة فى أى شيئ مذمومة، ولكن ليس هناك ضرر من المحبة فى الله،
فهذه المحبة الناتجة عن الذكر والأوراد لا يمكن أن تقود إلا إلى الصلاح، وحتى
الإفراط فيها فهو بالتأكيد أفضل من الانحلال المذموم أو التطرف المأثوم، وخاصة وأنه
مآله إلى الإعتدال والنضج ولا خطر منه.
أما بالنسبة لما يتعلق بمفهوم الخبير والمرشد وماهيته، فلتقرئى إجابة السؤال
المشابه الموجود فى صفحة التساؤلات 1 - السؤال رقم 8:
http://burhaniya.org/questions/query8.htm |