السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
فى
البداية نشكرك على معلوماتك القيمة.
ونود أن نزيد من باب التذاكر
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين:
فالتوسل كما ذكرت ثلاثة أنواع أدناها التوسل بالعمل الصالح وأعلاها التوسل إلى الله
بالمقربين
له والمحترمين
لديه سبحانه وتعالى كما قال الرسول الكريم (اللهم إنى أسألك بنبيك والأنبياء من
قبلى ...) متوسلا بنفسه ومتوسلا بالأنبياء الذين سبقوه.
أما ما ذكرت من طلب الدعاء من الصالحين فهو أحد سبل التوسل بهم وإلا فماذا تقول فى
أمر النبى للأعمى الذى طلب النظر إليه بأن يتوضأ ويصلى ويدعو الله فيقول: (اللهم
انى أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبى الرحمة يا محمد انى أتوجه بك الى ربى فى
حاجتى لتقضى اللهم شفعه فى)-
رواه الإمام أحمد
والترمذى والنسائى والبيهقى وابن كثير والمناوى.
ونحن معك بأنه لا يصح التوسل بالموتى ولكن من الموتى.
يقول
الرسول الكريم
:
(الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون)-
رواه المنذرى وصححه
البيهقى وأبو داوود والسيوطى.
ويقول أيضا ص (إن العلماء ورثة الأنبياء) وقال أيضا ص: (العلماء أمناء الله على
خلقه)- العراقى
والقرطبى والنووى والمباركفورى والسيوطى،
والمعنى أنه إن كانت الأنبياء أحياء فى قبورهم فالعلماء مثلهم لأنهم ورثتهم.
ويقول الله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون﴾ ويقول أيضا سبحانه: ﴿ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أمواتا بل
أحياء ولكن لا تشعرون﴾.
وكما تذكر هذه الآيات أن الشهداء أحياء يرزقون ولكن لا نشعر بهم، ورزقهم أساسا هو
امتداد عبادتهم مثل الأنبياء الذين يصلون فى قبورهم.
فإن صح ذلك لأحد من أمته أو لنبى من قبله فكيف لا يصح لخاتم الأنبياء وسيد المرسلين
بل وسيد ولد آدم.
وهل أمرنا الله بأن نود أهل بيته الأحياء أم الأموات فى نظرنا: ﴿قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة فى القربى﴾، فإن كانت المودة للأحياء فى نظرنا من أهل البيت وقربى
النبى
فقط لوجب علينا جميعا أن نبحث عنهم ونتحرى مكانهم حتى نودهم، وإلا نكون مقصرين فى
حق نبينا وفى حق ديننا، ولكنهم جميعهم أحياء ونحن نزورهم فى مقاماتهم وليس هذا
للطلب والتوسل بقدر ما هو للود والمحبة.
وكم من أحياء ولكنهم أموات وكم من أموات ولكنهم أحياء، فالموت والحياة للقلب وليس
للجسد، يقول تعالى ﴿أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن
مثله فى الظلمات ...﴾
كما أن البصر والعمى للقلوب أيضا، يقول تعالى ﴿إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى
القلوب التى فى الصدور﴾ فلتعلم أخى أن الله قد كافأ أولياءه بأن لهم حياة بعد الموت
يستمرون فيها على عبادته.
ومن أسس الإيمان الإيمان بالإسراء والمعراج، ولتنظر إلى المصطفى فى رحلة الإسراء
والمعراج وكيف قابل الأنبياء والمرسلين،
وقصته المعروفة مع سيدنا موسى فى تخفيف الصلاة، فكيف يكون هؤلاء أموات، إلا كما قال
سبحانه وتعالى: ﴿بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾.
ومن أشهر الأحداث التى تثبت هذه الحياة للنبى بعد انتقاله، ما حدث فى مصر بلد أهل
البيت وبلد الأولياء والصالحين، وهو
أن
الإمام الشافعى عند وفاته أوصى بأن تصلى عليه السيدة نفيسة، فصلت عليه وصلى الناس
خلفها، فلما سألوها كيف صحت هذه الصلاة، قالت: كان النبى يصلى عليه وكنت أصلى خلفه.
وبالتالى فإنهم ليسوا مثلى ومثلك ينقطع عملنا بالموت، ولن يذكرنا أحد ولن يتوسل بنا
أحد،
ولا يصح لنا أن نتهم غيرنا بما فينا، ونعوذ بالله أن نتجرأ على المصطفى
ونتهمه بذلك.
يقول
:
(من حج ولم يزرنى فقد جفانى)، فيسن للحاج أن يزور المصطفى ويسلم عليه [سنة مؤكدة]،
فكيف تزور الموتى وتسلم على من لا يسمعون،
وكيف نصلى عليه كل يوم (اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وسلم)،
وهذه الصلاة هى طلب صلة وتواصل من الله للنبى وأهل بيته،
ويمكن أن تفهم ذلك جيدا من صلاة التشهد التى تقولها دائما فى صلواتك الخمس (الهم
صلى على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا
إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم
وعلى آل سيدنا إبراهيم)، وهذه الصلاة كما هو واضح فيها جيدا تطلب فيها الصلة
والبركة للنبى
وأهل بيته حتى تستمر فيهم الأمانة كما استمرت فى سيدنا إبراهيم وأهل بيته،
فهل نطلب الصلة والبركة لميت...!!! ونحن بطلبنا الصلة لهم
نحصل عليها أيضا لأنفسنا، وكما هو معروف أنك عندما تدعو لأخيك تدعو لك الملائكة
بمثل ما تدعو به له، ولذلك يقول المصطفى فى هذه الصلاة: (من صلى على صلاة صلى الله
عليه بها عشراً) -رياض
الصالحين للنووى- ويقول أيضا: (من صلى على وسلم على
فى كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمى فى ذلك الكتاب) -القرطبى-
والمعنى أننا نحصل على الصلة من الله بطلبنا لها للنبى
.
وأخرج البيهقى فى شعب الإيمان وابن عساكر وابن المنذر فى تاريخه عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله
:
(ان أقربكم منى يوم القيامة فى كل موطن أكثركم على صلاة فى الدنيا، من صلى على يوم
الجمعة وليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة،
وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكا يدخله فى قبرى كما يدخل عليكم
الهدايا، يخبرنى بمن صلى على باسمه ونسبه إلى عشرة، فاثبته عندى فى صحيفة بيضاء).
وأخرج البيهقى فى الشعب والخطيب وابن عساكر عن أبى هريرة
قال: قال رسول الله
:
(من صلى على عند قبرى سمعته، ومن صلى على نائيا كفى أمر دنياه وآخرته، وكنت له
شهيدا وشفيعا يوم القيامة) – فكيف يسمع من يصلى عليه دانيا؟! وكيف يشهد لمن يصلى
عليه نائيا إن كان ميت انقطع عمله؟!
وأخرج ابن أبى شيبه وابن مردويه عن أبى هريرة
قال: قال رسول الله
:
(أكثروا الصلاة على يوم الجمعة، فإنها معروضة على) – كيف؟!
روى أبو صادق عن على قال: قدم علينا أعرابى بعد ما دفنا رسول الله
بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر رسول الله
وحثا على رأسه من ترابه؛ فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك، ووعيت عن الله فوعينا
عنك، وكان فيما أنزل الله عليك ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾، وقد ظلمت نفسى وجئتك تستغفر لى.
فنودى من القبر أنه قد غفر لك –
القرطبى-
فمن الذى رد عليه؟!.
وأخرج البيهقى عن أبى حرب الهلالى قال: حج أعرابى إلى باب مسجد رسول الله
أناخ راحلته، فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ووقف بحذاء وجه رسول الله
فقال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، مستشفعا بك على
ربك لأنه قال فى محكم تنزيله ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله
واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد جئتك بأبى أنت وأمى مثقلا بالذنوب
والخطايا، استشفع بك على ربك أن يغفر لى ذنوبى وأن تشفع فى، ثم أقبل فى عرض الناس
وهو يقول:
يا خير من دفنت فى الترب أعظمه |
|
فطاب من طيبهن القاع والأكم |
نفسـى الفداء لقبر أنت سـاكنه |
|
فيه العفاف وفيه الجود والكرم |
قال العتبى: فغلبنتى عينى فرأيت النبى
فى النوم فقال: (يا عتبى إلحق الأعرابى فبشره أن الله قد غفر له) -
عن الشيخ
أبو منصور الصباغ فى كتابه "الشامل" والتقى السبكى فى كتاب "شفاء السقام فى زيارة
خير الأنام".
وقد قال النبى
:
(ما من مسلم يسلم على إلا رد الله على روحى حتى أرد عليه السلام) -أخرجه
البيهقى عن أبى هريرة.
فهل يخلو مسجده من زائرين يسلمون عليه!!
وجاء فى كتاب "روض المجال فى الرد على أهل الضلال" للشيخ عبد الرحمن الهندى الدهلى
الحنفى: إِن الامام أبا حنيفة
حين جاء لزيارة النبى
استقبل وجه النبى
،
وهكذا ثبت فى زيارة الامام الشافعى
والإمام أحمد
،
وغيرهم من كبار التابعين
،
بل قيل: إِن الامام مالك -إِمام دار الهجرة
-
لما سأله الخليفة المنصور جد الخلفاء العباسيين، فقال: يا أبا عبد اللَّه "أأستقبل
القبلة، وأدعوا، أم أستقبل رسول الله
؟"
فقال: ولمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلة أبيك آدم إِلى الله تعالى، استقبله، واستشفع
به، فيشفعه الله فيك، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ
جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا
اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾.
ولذلك فلا شك أن
زيارة النبى
فى قبره لا تختلف فى شيئ عن زيارته فى حياته، فأنت عندما تسلم عليه يرد عليك السلام
وعندما تصلى عليه يسمع صلاتك وعندما تطلب منه الاستغفار لك يستغفر لك، ولذلك فقد
قال رسول الله
:
(من حج فزار قبرى بعد وفاتى كان كم زارنى فى حياتى). -أخرجه
سعيد بن منصور وأبو يعلى والطبرانى وابن عدى والدارقطنى والبيهقى فى الشعب وابن
عساكر عن ابن عمر.
ويدخل فى هذا الحكم صحابته وأهل بيته الأكرمين الطاهرين وأولياء الله الصالحين
الذين هم ورثة الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون.
وأما حديث المصطفى
:
(واعلم أن الأمة لو اجتمعت ...) كما ذكرنا لك هو حتى لا تشغلك الوسيلة عن أن
الفاعل الأصلى وهو الله،
فالطلب من الأولياء كالطلب من الطبيب،
فعندما تطلب من الطبيب أن يعالجك أو يشفيك فإنك تعلم ضمنيا فى ضميرك أن الشافى هو
الله وأن الطبيب وسيلة.
والغريب أن هناك من الناس من يقول أننا الآن لازلنا يخشى علينا أن نشرك بالله فنعبد
بعضنا بعضا، ويخلطون بقصد أو دون قصد بين أن تطلب شيئا من أحد وبين الدعاء، وكأنهم
لا يعرفون معنى الدعاء والفرق بينه وبين الطلب، وأن الشرط الأساسى فى الدعاء هو أن
تعتقد الألوهية فيمن تطلب منه.
ولتعلم أن جميع البسطاء الذين يزورون الأولياء ويطلبون منهم منذ القدم يعرفون هذا
الفرق جيد، ويعلمون أن هؤلاء الأولياء مقربون لدى الله وإنما يطلبون منهم لقربهم من
الله،
ولو سألتهم هل يفعل أى من هؤلاء الأولياء ما يفعل من دون الله لسخروا منك.
وتحضرنى
هنا حادثة رواها لنا الشيخ من رجل يلوم على عجوز بسيطة من العامة، كانت تزور أحد
المقامات وتتوسل بصاحبه فقال لها: إن هذا شرك بالله، أتعبدين هذا المقام. فنظرت
إليه بغضب وقالت له: لما انت كافر كده إيه اللى جابك هنا.
ومبدء الشرك هذا جديد على المجتمع الإسلامى وبدعة ابتدعها بعض الناس لينفروا الناس
من أهل البيت، ويلهونهم عن فضلهم، وذلك بأنهم بما فى ذلك رسول الله
قد ماتوا وانتهوا، ثم ينسبون العظمة لأنفسهم فهم المؤمنون الحقيقيون ومن غيرهم كفر،
والغريب أن حزبهم يعظمون أشياخهم أكثر مما يعظمون المصطفى
،
فتراهم يقولون العلامة شيخ الإسلام فلان، ويقولون على المصطفى
محمد بدون ألقاب وبدون حتى صلاة، بل وتراهم يساوون بينهم وبين الصحابة الذين أخبر
النبى
عنهم أنهم لا يدانيهم أحد، وقد قالها لى أحدهم: أنا أحاسب وعمر يحاسب !!!
– يقصد سيدنا عمر الفاروق
-
ويعنى بذلك أنهم متساوون، وذلك رغم حديث المصطفى
الذى يقول:
(لا تسبوا أصحابي، فوالذى نفسى بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مدّ
أحدهم ولا نصيفه) - صحيح
مسلم.
فاللهم أصلح حالنا وحال المسلمين واحفظنا من الجهل وأهله.
فظن
خيرا أخى بالمسلمين واحذر حرمتهم فحرمة المسلم عند الله عظيمة، فقد قال
:
(كل المسلم على المسلم حرام ...)، وقال أيضا فى الصحيح (من قال لأخيه يا كافر فقد
باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه) -أخرجه ابن المنذر عن ابن عمر.
ولنوسع مداركنا بقرأة الكتب والمصادر الإسلامية جميعها، ولا نحد أنفسنا فى فكر واحد
حديث المصدر،
فنحن من يخسر وليس سوانا ... فإنا سنُسأل عن ذلك ولن ينفعنا أن نقول: إنما قرأنا
لفلان فوافق هوانا واقتنعنا به،
ولم نقرأ غيره،
بل
يجب أن نتحرى العلم جميعه وبعد ذلك نسأل الله الهداية،
لعله ان يهدينا سواء السبيل،
فالهادى هو الله وقد كان أعلى الصحابة مقاما ينزل عند رأى أقلهم عندما يراه صوابا
ولا يتمسك برأيه،
فكانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا.
وأخيرا نشكر لك حماسك فى النصح، وجزاك الله عنا كل خير. |