أولا: نؤكد على أن الإيمان بوجود الله فى كل الوجود لا يتطلب معرفة كيفية ذلك لأن
ذلك يعد تدخلا فيما يتعلق بذات الله أو بنفسه وهذا هو المحظور ﴿ويحذركم الله نفسه
وإلى الله المصير﴾ فهو سبحانه ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف
الخبير﴾ وبالتالى فلا تعنينا الكيفية ولكن يعنينا ما فسره بعض المفسرين عن وجوده فى
كل الوجود بوجود القدرة ووجود العلم ... ونقول أن قدرته سبحانه وتعالى أكبر من
علمنا وفهمنا ولذا وجب علينا الإيمان بوجوده فى كل الوجود دون أن نفهم أو نعلم
كيفية ذلك مثلما نؤمن به ولم نراه.
ثانيا: الدلائل من الكتاب والسنة على وجود الله فى كل الوجود وقربه من عباده كثيرة
لا تعد ... وسنورد هنا منها بعضها على سبيل المثال وليس الحصر:
· أخرج
ابن مردويه والبيهقى عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله
:
(إن
من أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان).
· يقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع
عليم﴾ فهو سبحانه موجود فى كل الوجود.
· ويقول
الله
سبحانه
وتعالى: ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين﴾ قوله تعالى: ﴿ادعوا ربكم﴾
هذا أمر بالدعاء وتعبد به. ثم قرن جل وعز بالأمر صفات تحسن معه، وهى الخشوع
والاستكانة والتضرع. ومعنى ’خفية’ أى سرا فى النفس ليبعد عن الرياء؛ وبذلك أثنى على
نبيه زكريا عليه السلام إذ قال مخبرا عنه: ﴿إذ
نادى ربه نداء خفيا﴾
... وكل هذا يدل على أن الله قريب من كل الناس يسمع سرهم ونجواهم.
· وقد
استدل أصحاب أبى حنيفة بهذا على أن إخفاء ’آمين’ أولى من الجهر بها؛ لأنه دعاء.
ونحوه قول النبى
:
(خير الذكر الخفى وخير الرزق ما يكفى). والشريعة مقررة أن السر فيما لم
يعترض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر. قال الحسن بن أبى الحسن: لقد
أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا. ولقد
كان المسلمون يجتهدون فى الدعاء فلا يسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين
ربهم... ومعنى ذلك ليس أن الله قريب منهم فحسب ولكنهم كانوا يشعرون قربه.
·
يقول
تعالى: ﴿أفمن
هو قائم على كل نفس بما كسبت﴾
أى حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ولا يخفى
عليه خافية ﴿ولا
تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه﴾،
وقال تعالى: ﴿وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها﴾،
وقال: ﴿سواء
منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار﴾،
وقال: ﴿يعلم
السر وأخفى﴾،
وقال: ﴿وهو
معكم أين ما كنتم والله بما تعلمون بصير﴾
... كل هذه الآيات تدل على وجود الله فى كل مكان وهو يشهد على خلقه ويرى سرهم
وعلنهم ... ولا تعنى عدم قدرتنا على إدراكه أنه غير موجود معنا ... كما لا يعنى
وجوده معنا امتزاجه معنا بالحلول والاتحاد والعياذ بالله بل كما أسلفنا لا دخل لنا
بالكيفية ولا يعجزه سبحانه وتعالى أن يفعل كل ذلك وما هو فوقه دون أن نحيط به علما
بل ﴿الله
من ورائهم محيط﴾.
·
ويقول
الله سبحانه وتعالى: ﴿هو
الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما
يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما
تعملون بصير﴾
... وهذا معنى واضح لا يحتاج تفسير على قرب الله من عباده ووجوده معهم ولا تعارض
بين ﴿استوى
على العرش﴾
وبين ﴿وهو
معكم﴾
فهذا هين يسير فى قدرة الله عز وجل.
·
يقول
الإمام الطبرى فى قوله ﴿وهو
معكم أينما كنتم﴾:
وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم.
·
ويقول
بن كثير فى قوله ﴿وهو
معكم أينما كنتم﴾:
أى رقيب عليكم شهيد على أعمالكم، حيث كنتم وأين كنتم من بر أو بحر، فى ليل أو نهار،
فى البيوت أو فى القفار، الجميع فى علمه على السواء، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم،
ويعلم سركم ونجواكم، كما قال تعالى: ﴿ألا
حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور﴾،
وقال تعالى: ﴿سواء
منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار﴾.
·
وروى
مسلم عن أبى موسى قال: كنا مع النبى
فى سفر - وفى رواية فى غزاة - فجعل الناس يجهرون بالتكبير - وفى رواية فجعل رجل
كلما علا ثنية قال: لا إله إلا الله - فقال رسول الله
:
(أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا
قريبا وهو معكم). الحديث... والمعنى اهدئوا واقيموا على أنفسكم فالله سبحانه وتعالى
قريب منكم لا يخفى عليه دعائكم فلا هو سبحانه أصم لا يسمع ولا هو غائب عنكم فلا
يراكم.
·
أخرج
ابن مردويه عن ابن عباس بن عبد المطلب عن النبى
قال: (والذى نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة لقدم على ربه)،
ثم تلا ﴿هو
الأول والآخر والظاهر والباطن هو بكل شيئ عليم﴾
... والمعنى أن الله موجود قبل كل شيى وبعد كل شيئ ولن تذهب لشيئ أبعد عنه مهما
بعدت.
·
وأخرج
البيهقى
فى الأسماء والصفات عن أم سلمة عن النبى
أنه كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم
أنت الأول فلا شيئ قبلك، وأنت الآخر فلا شيئ بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة
ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة
الغنى، ومن فتنة، الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم).
·
وأخرج
ابن
أبى شيبة والترمذى وحسنة والبيهقى عن أبى هريرة قال: جاءت فاطمة إلى رسول الله
تسأل خادما فقال لها: (قولى
اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل
والفرقان، فالق الحب النوى أعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول
فليس قبلك شيئ وأنت الآخر فليس بعدك شيئ وأنت الظاهر فليس فوقك شيئ، وأنت
الباطن فليس دونك شيئ اقض عنا الدين وأغننا من الفقر).
·
وأخرج
البيهقى
عن ابن عمر قال: كان من دعاء رسول الله
الذى يقول: (يا
كائن قبل أن يكون شيئ، والمكون لكل شيئ، والكائن بعد ما لا يكون شيئ،
أسألك بلحظة من لحظاتك الحافظات الوافرات الراجيات المنجيات)
·
وأخرج أبو
الشيخ
فى العظمة عن ابن عمر وأبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (لا
يزال الناس يسالون عن كل شيئ حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شيئ فماذا كان قبل
الله؟ فإن قالوا لكم ذلك فقولوا: هو الأول قبل كل شيئ وهو الآخر فليس بعده شيئ
وهو الظاهر فوق كل شيئ وهو الباطن دون كل شيئ وهو بكل شيئ عليم).
·
وأخرج أبو
داود
عن أبى زميل قال: سألت ابن عباس
فقلت: ما شيئ أجده فى صدرى قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به فقال لى: أشيئ من
شك؟ وضحك؟ قال: ما نجا من ذلك أحد حتى أنزل الله تعالى
﴿فإن
كنت فى شك مما أنزلت إليك﴾
الآية وقال لى: إذا وجدت فى نفسك شيئا فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو
بكل شيئ عليم.
·
فقد قال
سيدنا أبو بكر
:
(لو كُشف الغطاء ما ازددت يقينا) - ومعنى ذلك أنه وصل إلى النهاية. ولما سئل: (هل
رأيت ربك؟) قال
:
(العجز عن درك الإدراك إدراك). وقد سئل أيضا كل من سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا
عثمان بن عفان وسيدنا على بن أبى طالب
جميعا فى ذلك، فقال سيدنا عمر
:
(ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله) وقال سيدنا عثمان بن عفان
:
(ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله عنده) وقال سيدنا على
و:
(إن غبت بدا وإن بدا غيبنى). |