فى البداية نحب نوضح شيئا فلا تؤاخذنا، فنحن لا نحاول إقناعك بشيئ، وقد علمنا
مشايخنا ألا ندخل فى جدل مع أحد، ولكنك تضفى على مناقشاتك صورة علمية، ولا نستطيع
إلا أن نرد عليها، فإن كنت فعلا تريد علما فأهلا بك ومرحبا، وإن كنت تقصد جدلا فقط
فأعفنا منه، لأن هذه الصفحة للرد على أسئلة وتساؤلات طالبى العلم فقط، أما من لديه
علم ويريد أن يخبرنا به فنحن نشكره ونقدر له ذلك.
وإليك الرد على تساؤلك:
كما ذكرنا فى الرسالة السابقة وكما هو واضح فى صفحات الموقع ان كنت قد رأيتها، أن
صحابة الرسول
أعظم أعمالهم هو صحبتهم لرسول الله
،
هذه الصحبة وحدها جعلتهم أشرف الناس فأصبحت أعمالهم صادقة صادرة من قلوبهم، وأصبح
كيد الشيطان معهم ضعيفا فلم يحتاجوا إلى كثير عمل ليصلوا إلى الله، فوصلو إلى الله
وحاذوا اليقين ليس علم اليقين ولا حق اليقين بل عين اليقين، وحاذوا العلم بالله
الذى يسعى جميع الصوفية لنيله، فتلذذوا بعبادة الله التى خلقهم من أجلها واستعذبوا
الجهاد فى سبيله، فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يذكرونه بقلوبهم وأرواحهم
ويراقبونه ويشاهدونه بيقينهم؛ وأسمع لأقوالهم:
قال سيدنا أبو بكر
:
"لو كُشف الغطاء ما ازددت يقينا" - ومعنى ذلك أنه وصل إلى النهاية، ولما سئل: هل
رأيت ربك؟ قال
:
"العجز عن درك الإدراك إدراك". وقد سئل أيضا كل من سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا
عثمان بن عفان وسيدنا على بن أبى طالب
جميعا فى ذلك، فقال سيدنا عمر
:
"ما
رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله" وقال سيدنا عثمان بن عفان
:
"ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله عنده" وقال سيدنا على
و:
"إن غبت بدا وإن بدا غيبنى".
وهكذا فلا يمكن أن تنظر إلى عبادتهم فقط فأنت لم تحذ مكانتهم ولم تعرف علمهم ولم
تنل يقينهم، وإن كنت تظن أنهم قد نالوا مكانتهم من عبادتهم دون صحبة رسول الله
!!!
فأنت بعيد كل البعد عن الحقيقة.
وقد أشرنا لك أننا نريدك ألا تغفل ماهو موجود بالفعل من سنة رسول الله
،
وأن ما نبغيه عنه هو علم الله الموجود بالفعل فى كتابه الكريم وسنة رسوله الحكيم
،
فما هو الجديد الذى تتحدث عنه؟ فإن كنت تتحدث عن علم الله الموجود فى القرآن فذلك
ما نسعى له، فالعلم كله موجود فى القرآن ولكن هل لديك العلم بالقرآن أو هل تستطيع
أن تستخرجه منه؟ فكما ذكرت يقول الله سبحانه ﴿ما فرطنا فى الكتاب من شيئ﴾ وقد قال
الإمام على
و:
"والله لو ضاع منى عقال بعير لوجدته مكتوبا فى كتاب الله"، فهل تستطيع ذلك، وكان
سيدنا سلمان الفارسى
لعلمه بالقرآن وقوة يقينه يداوى الناس بقرأة الفاتحة وآيات يختارها من القرآن فهل
تستطيع ذلك؟ وكما قلت كان سيدنا عمر
لا يتجاوز حفظ أى آيه من آيات القرآن حتى يطبقها ثم ينتقل إلى أخرى فهل تقدر على
ذلك؟ وهل تعلم القرآن حق علمه قبل أن تقبل على تطبيقه؟
إن
ذلك هو علم القرآن الذى علمه الرحمن ﴿الرحمن علم القرآن﴾, وذلك الذى يدركه
المتصوفون، فإن كنت تظن أن الكتب الصحيحة فقط قد أحاطت بهذا العلم كاملا!!! فأنت
بعيد كل البعد عن الحقيقة، فهذا العلم لا ينال إلا بالتقوى، ﴿واتقوا الله ويعلمكم
الله﴾.
ولسنا نخوفك بسوء المصير والعياذ بالله، بل نبشرك بأن رسول الله
قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، فرحمة الله واسعة، وإن شاء الله فإنك
تدخل الجنة برحمة الله وليس بعملك.
ولكن ليس هذا ما يسعى إليه المتصوفون فهم ليسوا مثلك فلا تعترض عليهم، فهم يسعون
إلى الله ويحبونه وليس جنته، ويخافونه وليس ناره، ويقتدون بصحابة رسول الله
فى يقينهم وفى باطنهم وليس ظاهرهم، ويجاهدوا ويقتلوا نفوسهم، ويسعون إلى علم الله
الذى يمنحه المتقين من عباده ﴿الرحمن علم القرآن﴾، وهم يستبقون الصراط ويتنافسون فى
الطاعات والنوافل ﴿وفى ذلك فليتنافس المتنافسون﴾.
وهذا السعى هو الذى يدفعهم إلى البحث عمن يدلهم على طريق الله، البحث عن الخبير
الذى قال فيه سبحانه: ﴿الرحمن فاسأل به خبيرا﴾ وقال أيضا ﴿فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون﴾.
وبعض الناس يعرفون نوافل أركان الإسلم جميعها ويجتهدون فيها قدر همتهم إلا نافلة
الركن الأول للإسلام وهو ركن الشهادة (أشهد ألا إله إلا الله) ونافلتها ذكر الله
(وأشهد أن محمدا رسول الله) ونافلتها الصلاة على النبى
،
وهذا هو مجال اجتهاد المتصوفين.
فإن كنت تعلم كل هذا وتعمل به فأنت من نريد أن نكون مثله، وإلا فقد قال
:
(كل ميسر لما خلق له) -الترمذى،
فليس كل الناس صحابة وليس كل الناس عباد ولا زهاد ولا متصوفين.
فإن لم تشتاق روحك إلى هذا الجهاد الأكبر (جهاد النفس) وإن لم تتوق إلى حب الله
وتسعى إلى ذكره فلا تجهد نفسك واكتفى بما تعلم.
واعلم أن إعرابيا من أهل نجد ثائر الرأس جاء إلى رسول الله
فسأله عن الإسلام، فقال رسول الله
:
(خمس صلوات فى اليوم والليلة). فقال: هل على غيرهن؟ قال: (لا، إلا أن تطوع، وصيام
شهر رمضان)، فقال: هل على غيره؟ قال: (لا، إلا أن تطوع). وذكر له رسول الله
الزكاة فقال: هل على غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع) - فأدبر الرجل وهو يقول: والله
لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله
:
(أفلح إن صدق) -مالك
والشافعى والبخارى ومسلم وأبو داود والنسائى.
بارك الله لك ولنا ورزقنا الصدق معه وأصلح لنا أمورنا ويسرنا للخير ويسر الخير لنا. |