مرحبا بك ولعل الله أن يهدينا جميعا ويدفع بنا بعضنا بعضا ليعلى كلمته ويهدى عباده
سواء السبيل.
بالنسبة لحالتك فأنت أحسن حالا من كثير من الناس وما يؤرقك طبيعى:
- فالدنيا
دار اختبار وليست
دار مقام وتنعم ولذلك فإن صعوبة الوسيلة من عظم الغاية:
فقد قال
:
(حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)
أحمد
فى مسنده وصحيح مسلم والترمذى،
ومن بين هذه الشهوات شهوة المكانة والمقام،
وأن كان يبدو عليك أن هذا النوع من الشهوات لم يغويك بعد فلا تزال تهفو إلى ما يحرك
قلبك وروحك لا ما يقوى مظهرك ورأى الناس فيك.
ولكن هل يتركك أعداءك: الدنيا والنفس والشيطان والهوى، هل يتركونك تنعم براحة
البال؟ بالطبع لا ولابد أن ينغصون عليك حياتك وخاصة إن كان لك قلب يشعر بالإيمان
إذا صادفه، ولكن القلب سمى كذلك لكثرة التقلب.
عموما اطمئن فإن لذلك علاج يثبت القلب وينيره ويمنع تقلبه، وهو يتكون من الذكر
والصلاة على النبى
،
كما هو موجود فى أوراد الصوفية.
- التلقين
هو أهم أبواب الهدى وهو ليس للحى فقط ولكن للميت أيضا:
o
فالمسلم قبل موته يلقن، يقول النبى
:
(من لقن عند الموت لا إله إلا الله دخل الجنة)
رواه
أحمد والطبرانى والهيثمى.
o
وأيضا يلقن المسلم بعد موته، قال رسول الله
:
(إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل:
يا فلان بن فلانة. فإنه يسمعه ولا يجيب. ثم يقول: يا فلان بن فلانة. فإنه يستوى
قاعداً. ثم يقول: يا فلان بن فلانة. فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله - ولكن لا تشعرون
- فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده
ورسوله وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً فإن
منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقن
حجته فيكون الله حجيجه دونهما). فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال:
(فينسبه إلى حواء يا فلان بن حواء)-
رواه الطبرانى والنووى والعراقى وابن حجر.
o
وكذلك يلقن النائم بالرؤيا الصالحة – وإن كانت لا يؤخذ منها الأحكام إلا
بشروط – فقد ورد فى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (تسموا باسمى ولا
تكتنوا بكنيتى، ومن رآنى فى المنام فقد رآنى حقا، فإن الشيطان لا يتمثل فى صورتى،
ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وقال أيضا: (من رآنى فى المنام فلن
يدخل النار، ومن زارنى بعد موتى وجبت له شفاعتى، ومن رآنى فقد رآنى حقا، فإن
الشيطان لا يتمثل بى، ورؤيا المؤمن الصالح جزء من سبعين جزءا من النبوة، وإذا اقترب
الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا).
الديلمى عن أنس.
وهذا معناه أن من رأى النبى
فى المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان
لا يتمثل به، وقد أخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب: حدثنى أبى قال: قلت لابن عباس
رأيت النبى
فى المنام قال: صفه لى، قال: ذكرت الحسن بن على
فشبهته به، قال: قد رأيته، ويعارضه ما أخرجه ابن أبى عاصم من وجه آخر عن أبى هريرة
قال: قال رسول الله
من رآنى فى المنام فقد رآنى، فإنى أُرى فى كل
صورة، ويمكن الجمع بينهما بما قال القاضى أبو بكر ابن العربى: رؤية النبى
بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال،
فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض، ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك
الصفات إدراك المثل، فإن رآه على صورته المعروفة كان، وإن رآه على خلاف صفته فهى
أمثال، فإن رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائى وفيه وعلى العكس فبالعكس.
وقال النووى قال عياض: يحتمل أن يكون المراد بقوله فقد رآنى أو فقد رأى الحق أن من
رآه على صورته فى حياته كانت رؤياه حقا، ومن رآه على غير صورته كانت رؤيا تأويل.
وتعقبه النووى فقال: هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء
كانت على صفته المعروفة أو غيرها انتهى، ولم يظهر لى من كلام القاضى ما ينافى ذلك،
بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة فى الحالين،
لكن فى الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية مما يحتاج إلى التعبير.
قال: والصحيح فى تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته فى كل حالة ليست باطلة ولا
أضغاثا بل هى حق فى نفسها ولو رئى على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان
بل هو من قبل الله وقال وهذا قول القاضى أبى بكر بن الطيب وغيره، ويؤيده قوله (فقد
رآنى حقا) أى رأى الحق الذى قُصد إعلام الرائى به فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى فى
تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر إو ليخيف الرائى وإو
لينزجر عنه وإو لينبه على حكم يقع له فى دينه أو دنياه.
وهناك
تأويلات لرؤيا النبى
من كتاب تعطير الأنام فى تفسير الأحلام للشيخ عبد الغنى النابلسى.
والخلاصة أن الرؤيا ليس بكيف رأيته ولا بشكله ولا بحالته حين رأيته فلا شيئ يكون
على حاله فى المنام، ولكن إذا وقع فى روعك حين رأيته بأنه النبى
فيكون هو النبى
، فالشيطان يمكن أن يأتيك فى شكل أو صفة أو مثل
أى شخص آخر إلا النبى
، ولكن كما قلنا لا تؤخذ الأحكام الفقهية
من الرؤيا إلا بعد مراجعة شروطها فقد تحتاج إلى تأويل أو تعبير وإخراج الحقيقة
والمثال، ولكن يؤخذ منها الطمأنة أو عكسها مثلما يحدث فى الاستخارة.
وقد وفر لك الله ورسوله هذا بما لا يدع لك مجالا للشك والريبة !!!
-
المشكلة الأساسية لمعظم الناس أنهم لا يجدون قلوبا وضمائر تحدثهم بما أخطأوا أو
أحسنوا:
فقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخارى فى تاريخه عن وابصه قال: أتيت رسول الله
وأنا لا أريد أن أدع شيئا من البر والاثم إلا سألته عنه، فقال لى:
(يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه أم تسأل؟) قلت: يا رسول الله أخبرني! قال: (جئت
لتسأل عن البر والاثم)، ثم جمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها فى صدرى، ويقول: (يا
وابصة استفت قلبك، استفت نفسك، البر: ما اطمأن اليه القلب واطمأنت اليه النفس،
والاثم: ماحاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك).
ولكن هل كل القلوب تشعر وتفهم وتُستفتى ؟؟؟ بالطبع لا فمصيبة الناس فى قلوبهم، يقول
الحق سبحانه وتعالى: ﴿إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور﴾ ويقول
فى الفرق بين من أيقظ الله قلوبهم وبين غيرهم: ﴿أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا
يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها﴾ فالموت والحياة هنا للقلب.
-
ولكن كيف يدخل الإيمان فى القلب وكيف تستشعر حلاوته فيه؟
اقرأ هذه الأحاديث:
-
عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ الله
قالَ: (ثَلاَثٌ
مَنْ كُنّ فِيِه وَجَدَ بِهِنّ طَعْمَ الاْيمَانِ: مَنْ كَانَ الله وَرَسُولُهُ
أَحَبّ إِلَيْهِ مِمّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُهُ إِلاّ
لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ الله
مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النّارِ).
-
عَنِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ
يَقُولُ: (ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِى بِالله رَبّا،
وَبِالإِسْلامَ دِينا، وَبِمُحَمّدٍ
رَسُولاً).
-
قال
:
(عليكم بلباس الصوف تجدوا - تجدون - حلاوة الإيمان فى قلوبكم) لفظ رواية
البيهقى وزاد الديلمى فى روايته من حديث أبى أمامة (هذا وبقلة
الأكل تعرفوا فى الآخرة وإن النظر إلى الصوف يورث التفكر والتفكر يورث الحكمة
والحكمة تجرى فى أبدانكم مثل الدم فمن كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه
وعظم بدنه وقسا قلبه والقلب القاسى بعيد من اللّه عز وجل) اهـ بلفظه.
وقال الحسن البصرى: من لبس الصوف تواضعاً لله زاده نوراً فى بصره وقلبه ومن
لبسه إظهاراً للزهد فى الدنيا والتكبر به على الإخوان فى نفسه كوّر فى جهنم مع
الشياطين وقال: ما كل الناس يصلح للبس الصوف لأنه يطلب صفاء ومراقبة لله وقيل
له مرة: ما سبب لبسك الصوف؟ فسكت. فقيل: ألا تجيب؟ قال: إن قلت زاهداً فى
الدنيا زكيت نفسى أو فقراً وضيقاً شكوت ربى.
-
ويقول الإمام المناوى: قال
: (أفضل الذكر لا إله إلا الله)
أخرجه
الترمذى والنسائى وابن ماجه وابن حبان والبيهقى، إذ لا يصح الإيمان إلا به، ولأن فيه إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه وليس
ذا فى سواه من الأذكار، ولأن للتهليل تأثيراً فى تطهير الباطن عن الأوصاف
الذميمة التى هى معبودات فى الظاهر ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾ فيفيد نفى عموم
الإلهية بقوله (لا إله) ويثبت الواحد بقوله (إلا الله) ويعود الذكر من ظاهر
لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن ويتولى على جوارحه ويجد حلاوة هذا من ذاق، وقال بعض
العارفين: إنما كانت أفضل لأنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شيئ، إذ لو
ماثله شيئ ما كان واحداً بل اثنين فصاعداً فما ثم ما يزنه إلا المعادل
والمماثل، ولا معادل ولا مماثل، فذلك هو المانع للا إله إلا الله أن تدخل
الميزان يوم القيامة.
يمكنك أن تفهم الآن أن حلاوة الإيمان فى الحب والرضا والزهد والذكر وهذا ما قام
عليه التصوف. واقرأ عنه
صفحات التصوف
والطرق الصوفية.
-
بعض المذاهب المحدثة تأخذ بظاهر الدين وتترك قلبه وجوهره:
احذر أن بعض المذاهب لا أصل لها فادعت انتسابها إلى من هم أقدم منهم، وأنهم يسيرون
على الكتاب والسنة مباشرة ولا يحتاجون من يشرح لهم من السلف الصالح، وآيتهم أنهم
يهدمون ما قبلهم طمعا فى مكانتهم وادعاء بأن باب الإجتهاد مفتوح لهم وأن السلف
الصالح جميعهم يتساوون معهم فلا يحتاجون لرأيهم، فلا المذاهب الأربعة للأئمة الكبار
المجاهدين تعجبهم ولا أكابر أهل البيت يعجبونهم، ويتظاهرون بأن خير القرون كانت
زمنا ومضى، وهى التى قال فيها المصطفى
: (خير
القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يسبق
شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)
رواه قال البخارى وبقية الجماعة إلا أبا داود، فهل كان المصطفى يعنى الزمن أم الناس، وهل كان يعنى الصحابة والتابعين وتابع
التابعين أم وقتهم، ولكن ذلك يحسده البعض فيحاول النيل منه، وتجده يعظم
نفسه ولا يعترف بأى مذهب آخر، وذلك حتى لا يكون هناك من هو أعلى منه ولا أمل له فى
الوصول إلى مكانته، ويدَّعى أن الناس تشرك باحترام السابقين وإجلالهم، وحتى النبى
فهو يدَّعى أنه قد أتى بالرسالة ثم انتهى ولا فائدة له بعد ذلك وحاشا لله والعياذ
بالله، بالرغم من أن ذلك أمر الله إذ يقول سبحانه: ﴿لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه
وتوقروه وتسبحوه﴾ ويقول الإمام القرطبى: رد التسبيح على اسم الله، والتوقير
والتعزير على اسم الرسول، فكيف يطلب الله تعظيمه وتوقيره وندعى نحن أن ذلك مدعاة
للشرك، أو أن هذه الآية انتهى العمل بها؛ الحقيقة أن هذا التعظيم قد يشعر البعض
بالضألة أمامه وبالضعف وقلة الحيلة فى الوصول إليه، وهى الحقيقة التى لا يقبلها
كبرياءه، ولذلك يسرع إلى هدمه لتعظيم نفسه والعياذ بالله، والعجيب أن مظهرهم وهو ما
يهتمون به يكون خادعا، انظر معى هذه الأحاديث:
وللاستزاده أقرأ الصفحات الخاصة
بالصحابة
وأهل
البيت
وكذلك
التساؤلات
الخاصة بهم.
-
الخلاصة:
-
احذر من يدعى الحكمة والصلاح من حيث يريد الظهور والكبر والرياء، ألا ترى أن
أصلهم وصاحبهم قد قال أمام رسول الله
كلمة حق أريد بها
باطل، فكيف بالله يدعو رسول الله إلى العدل؟ أيدعى لنفسه العدل؟ أم يرى نفسه
أفضل من النبى
وهو الذى علم الجميع وهداهم؟
والعجيب أن
هؤلاء يتخيرون لأنفسهم الأسماء التى تخدع العامة فمثلا
'الهادون إلى سبيل الله'
أو'الداعون إلى ما يرضى الله'
أو'أنصار الحق والصواب'
... وغير ذلك من الأسماء
كثير.
-
إن كنت تبحث عما يحيى قلبك فعليك بالصوفية ومن على نهجهم، وذلك أنهم على خلاف
من يلومون عليهم لا يريدون من الدنيا والناس شيئا، حتى أنهم لم يختاروا لأنفسهم
اسماء بل سماهم الناس الصوفية.
فإذا كان الله قد أكرمك بقلب استيقظ فاستشعر حلاوة الإيمان وأصبح يفتيك ويشير عليك
مهما أفتاك الناس ولعبوا بعقلك، فاستفته.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واهدنا
بما علمتنا وعلمنا ما لم نعلم أنك أهل التقوى وأهل المغفرة. آمين. |