ورد فى كتاب مفردات ألفاظ القرآن للأصفهانى عن
الذكر أنه يقال به: لحضور الشيئ القلب أو القول ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر
باللسان وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان
وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ.
وقال الكسائى: ما كان بالضمير فهو مضموم الذال (ذُكر) وما كان باللسان فهو مكسور
الذال (ذِكر).
تعريف:
ذكر الله هو ترديد اسم الله دون طلب منفعة أو رد مضرة.
والدليل القرآنى على ذلك هو:
·
انظر قوله تعالى:
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا﴾ واسم ربك هو (الله)
المزمل
8-
والتبتل: الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل؛ أى انقطع بهذه العبادة إليه، ولا تشرك به
غيره. ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى، ويقال للراهب متبتل؛ لانقطاعه عن
الناس، وانفراده بالعبادة.
· انظر
قوله تعالى:
﴿وَاذْكُرِ
اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾
الإنسان 25
واسم ربك هو (الله).
·
انظر قوله
تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾
الأعلى 14،15-
واسم ربه هو (الله) وواضح
من هنا أن ذكر الله غير الصلاة.
·
انظر قوله
تعالى:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا
رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ
أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ
قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلاةِ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾الحج
35،34-
إنظر إلى ذكر (اسْمَ اللهِ) وليس تذكر الله،
وواضح هنا أيضا أن ذكر الله الذى يوجل القلوب ويهزها هزا غير الصبر على المصاب وغير
الصلاة وغير الإنفاق.
·
انظر
قوله
تعالى:
﴿إنما
المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم
إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون﴾
الأنفال-
واضح هنا أيضا أن ذكر الله الذى يوجل
القلوب ويهزها هزا غير تلاوة القرآن وغير الصلاة وغير الإنفاق.
·
انظر
قوله
تعالى:
﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ
وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا
وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِى عَزِيزٌ﴾
الحج 40-
إنظر إلى ذكر (اسْمَ اللهِ) وليس تذكر الله.
ولكن الذكر لقوته يضفى صفته على ما يخالطه:
لذلك فالصلاة هى ذكر من حيث أنها تحتوى على ذكر،
انظر قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِى لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
الجمعة 9
بمعنى أن الصلاة ذكر ومع ذلك فهى ليست الذكر الصرف المطلق
انظر قوله تعالى:
﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالأَبْصَارُ﴾
النور 37-
وأيضا قوله تعالى:
﴿فإذا
قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم﴾
النساء
وهكذا جميع العبادات
انظر قوله تعالى:
﴿وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾
الحج 27،28
فحتى القرآن ذكر ولكنه ليس هو الذكر المطلق
انظر قوله تعالى فى سورة
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ﴾
الأنفال 2
والأذكار التى وردت عن النبى
ليست أوراد السير إلى الله ولكنها لقضاء الحوائج وهى كثيرة جدا بحيث أنها لا يمكن
لأحد أن يداوم عليها جميعا ولا تناسب الجميع فقد كان النبى
يذكرها لكل صحابى بما يناسبه.
وهى تسمى بأسمائها المختلفة مثل التكبير (الله أكبر) والتسبيح (سبحان الله)
والتهليل (لا إله إلا الله) والحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهكذا.
وهناك محاولات من الصالحين لإحصائها مثل كتاب الإمام النووى (الأذكار النووية) وهو
كتاب جامع كبير لأذكار المصطفى
.
والصوفية والصالحين يأخذون من هذه الأذكار (أذكار المصطفى
)
فى أحزابهم (وهى أوراد الفوائد) ولكن كل بما يناسبه ويناسب مشاكله ومشاكل عصره
وخصوصيته مع النبى
،
فمثلا الإمام النواوى صاحب الكتاب المشار إليه، له أيضا الحزب النووى الخاص به
والذى كان يقرأه كورد.
أما ذكر الله المطلوب له الكثرة فى كتاب الله فى قوله تعالى
فى
الآية من
سورة
﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم
مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾
الأحزاب 35-
وفى قوله سبحانه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾الأحزاب
42،41- هذا الذكر هو ترديد اسم الله دون طلب
لمنفعة أو دفع لمضرة.
هذا الذكر هو الموجب لوجل القلوب والاهتزاز كما ورد فى قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
الأنفال-
وهو ما ورد فى الأحاديث عن الصحابة
:
·
فقد
أورد عبدالله بن عقبة فى مجمع الزوائد قائلا: (كان أصحاب رسول الله
يتمايلون فى الذكر كما تمايل الريح
الأشجار).
· وقال
أشرف الخلق
:
(أيها الناس اذكروا الله على كل حال)
الديلمى
والمناوى فى كنوز الحقائق.
· وقال
مجاهد
(لا يكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا)
الإمام النووى الأذكار.
·
وعن ثابت البنانى قال كنت عند رسول الله
لما نزلت
﴿واصبر
نفسك مع الذين يدعون ربهم﴾
فخرجنا نلتمسهم فوجدنا سلمان فى عصابة يذكرون الله فلما رأونا كفوا فقال
:
(ماكنتم تقولون؟) قال سلمان: نذكر الله الله، فقال
: (إنى رأيت الرحمة تغشاكم، الحمد لله
الذى وجد فى أمتى من أمرت أن أصبر نفسى معهم).
أخرجه الإمام أحمد
فى
الزهد
وللحديث رواية أخرى عن
عثمان بن مظعون ورواية ثالثة عن عبد الله بن رواحة.
·
عن جابر
قال:
خرج
علينا رسول الله
فقال (ياأيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر فى الأرض،
فارتعوا فى رياض الجنة). قلنا: وأين رياض الجنة يارسول الله؟ قال
: (مجالس الذكر فاغدوا وروحوا فى ذكر
الله وذكروه أنفسكم).
أخرجه
الطبرانى والحاكم وأبوالدنيا وأبويعلى والبزار وصححه البيهقى
·
عن أبى
أراكة
قال (صليت خلف الإمام على بن أبى طالب صلاة الصبح فلما سلم جلس وعليه كآبة فمكث حتى
طلعت الشمس قدر رمح فصلى ركعتين فلما انفتل عن يمينه قلب يده وقال: والله رأيت
أصحاب محمد
وما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون شعثا غبرا قد باتوا لله سجدا وقياما
يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم وكانوا اذا ذكروا الله مادوا كما
يميد الشجر فى يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم.
أخرجه الإمام أحمد فى الزهد وابن أبى الدنيا والحافظ أبونعيم فى الحلية وابن عساكر
·
وجاء فى
كتاب
الأذكار للنووى عن أبى سعيد الخدرى
:
أن رسول الله
سئل: أى العبادة
أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: (الذاكرون الله كثيرا). قلت: يارسول الله
ومن الغازى فى سبيل الله عز وجل ؟ قال: (لو ضرب بسيفه فى الكفار والمشركين حتى
ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه).
·
وجاء فى كتاب
الأذكار
للامام النووى عن أبى الدرداء قال: قال
(ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من إنفاق
الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ؟ قالوا: بلى. قال: ذكر
الله تعالى)
رواه بن ماجه والحاكم على شرط الصحيحين.
· وقال
(اذكروا الله ذكرا حتى يقول المنافقون انكم
تراؤن) أخرجه
الامام أحمد.
· وفى
رواية أبو يعلى
الموصلى
(اذكروا الله ذكرا كثيرا حتى يقولوا مجنون)
المناوى فى
كنوز الحقائق.
· وفى
رواية الإمام
أحمد
(أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون).
·
وجاء فى
كتاب
الأذكار للإمام النووى عن بن عمر
قال: قال رسول الله
(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا). قالوا: ومارياض الجنة يارسول
الله؟ قال: (حلق الذكر فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا
أتوا عليهم حفوا بهم).
·
وعن أنس
بن مالك
قال: قال رسول الله
(مامن قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لايريدون بذلك إلا وجهه
إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات)
أخرجه
الامام أحمد فى مسنده.
انظر عدم طلب المنفعة أو رد المضرة بالذكر وإنما خالصا لوجه الله.
·
وقال تعالى
فى الحديث القدسى
﴿أنا
عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى
ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم﴾
عن
أبى هريرة من حديث البخارى.
·
وجاء فى
كتاب
الأذكار للامام النووى عن معاوية
أنه قال (خرج رسول الله
على حلقة من أصحابه فقال: ماأجلسكم. قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على
ماهدانا للإسلام ومَن به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك، أما إنى لم أستحلفكم
تهمة لكم ولكنه آتانى جبريل فأخبرنى أن الله تعالى يباهى بكم الملائكة)
أخرجه الامام مسلم فى
صحيحه.
·
وعن أبى
سعيد الخدرى وأبى هريرة
أنهما شهدا على رسول الله
أنه قال: (لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت
عليهم السكينة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده) للإمام مسلم.
·
وأورد صاحب
الترغيب
والترهيب عن أبى هريرة
قال: قال
:
(سبق المفردون) قالوا: وماالمفردون يارسول الله؟ قال: (المستهترون بذكر الله يضع
الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافا). و(المستهترون) هم المولعون
بالذكر المداومون عليه لايبالون ماقيل فيهم ولا مافعل بهم.
أورده صاحب الترغيب
والترهيب فى تفسيره فى باب الذكر وفضله.
· وفى
رواية الإمام
مسلم
قال (سبق المفردون قالوا وماالمفردون يارسول الله قال: الذاكرون الله كثيرا).
· وورد
فى لسان
العرب:
أَن رسول الله،
،
كان فى طريق مكة على جبل يقال له بُجْدانُ فقال: (سيروا هذا بُجْدانُ، سَبَقَ
المُفَرِّدون)، وفى رواية: (طوبى للمُفَرِّدين)، قالوا: يا رسول الله، ومن
المُفَرِّدون؟ قال: (الذاكرون الله كثيراً والذاكراتُ)، وفى رواية قال: (الذين
اهتزوا فى ذكر الله).
· وعن
أنس بن
مالك
قال: قال
(إن الشيطان واضع
خطمه على قلب ابن آدم فان ذكر الله خنس وإن نسى إلتقم قلبه)
رواه ابن أبى الدنيا وأبويعلى
والبيهقى فى الترغيب. و(الخطم) هو الفم.
·
وروى البيهقى
عن
رسول الله
أنه قال: (أعظم الناس درجة الذاكرون الله) وروى الديلمى عن رسول الله
أنه قال: (لكل شىء شفاء وشفاء القلوب
ذكر الله).
·
وعن معاذ
عن
رسول
الله
:
أن رجلا سأله فقال: أى المجاهدين أعظم أجرا؟ قال:
(أكثرهم
لله تبارك وتعالى ذكرا). قال: فأى الصالحين أعظم أجرا ؟ قال: (أكثرهم لله تبارك
وتعالى ذكرا)، ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله
يقول: (أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا)، فقال أبوبكر لعمر: ياأباحفص ذهب الذاكرون
بكل خير. فقال رسول الله
:
(أجل). رواه
الامام أحمد والطبرانى وفى الترغيب.
·
وأورد البخارى
حديث عمر
رفعه، يقول الله تعالى: (من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين).
ويتضح هنا أيضا اختلاف الذكر عن الدعاء وعدم وجود طلب أو رجاء فيه.
لنتأمل معا الآية الكريمة:
قوله تعالى:
﴿فاذكرونى
أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون﴾
الأنفال
·
ذكر الإمام
السيوطى
فى شرح هذه الآية: عن أبى هريرة قال: قال رسول الله
:
(يقول الله: أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى
نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه
ذراعا، وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتانى يمشى أتيته هرولة)أخراجه
أحمد والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى فى شعب الإيمان.
وعن أبى هريرة عن النبى
قال: (إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدى إذا هو ذكرنى وتحركت بى
شفتاه)
أخرجه ابن ماجه
وابن حبان والبيهقى.
وعن مالك بن يخامر، أن معاذ بن جبل قال لهم: إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله
أن قلت: أى الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله)
أخرجه ابن أبى الدنيا
والبزار وابن حبان والطبرانى والبيهقى.
وعن أبى المخارق قال: قال النبى
:
(مررت ليلة أسرى بى برجل فى نور العرش قلت: من هذا، ملك؟! قيل: لا. قلت: نبى؟ قيل:
لا. قلت: من هذا؟ قال: هذا رجل كان فى الدنيا لسانه رطب من ذكر الله، وقلبه معلق
بالمساجد، ولم يستسب لوالديه)
أخرجه ابن أبى
الدنيا.
وعن سالم بن أبى الجعد قال: قيل لأبى الدرداء: إن الرجل أعتق مائة نسمة قال: إن
مائة نسمة من مال رجل لكثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار أن لا يزال
لسان أحدكم رطبا من ذكر الله
-أخرجه ابن أبى
شيبة وأحمد فى الزهد وابن أبى الدنيا.
وعن عبد الله بن عمرو عن النبى
أنه كان يقول: (إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله، وما من شيء أنجى من
عذاب الله من ذكر الله)
. قالوا: ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: (ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع)
أخرجه ابن أبى الدنيا
والبيهقى.
والصقالة هى ما يصقل ويجلى به. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله
:
(من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وحين غدر العدوان يجاهده
فليكثر ذكر الله)
أخرجه البزار
والطبرانى.
وعن ابن عباس: إن النبى
قال: (أربع من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: قلب شاكر، ولسان ذاكر، وبدن على
البلاء صابر، وزوجة لا تبغيه خونا فى نفسها وماله)
أخرجه ابن أبى
الدنيا فى كتاب الشكر والطبرانى والبيهقى.
وعن أبى موسى قال: قال رسول الله
:
(لو أن رجلا فى حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل)
أخرجه الطبرانى.
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله
:
(ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكر الله تعالى فيها)
أخرجه الطبرانى
والبيهقى.
وعن أبى هريرة وأبى سعيد قالا: قال رسول الله
:
(إن لأهل ذكر الله أربعا. ينزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحف بهم الملائكة،
ويذكرهم الرب فى ملأ عنده)
أخرجه ابن أبى الدنيا.
وأخرج ابن المنذر عن خالد
الربعى قال: عجبت لثلاث آيات ذكرهن الله فى القرآن
﴿ادعونى أستجب لكم﴾
غافر 60- ليس بينهما حرف وكانت إنما
تكون لنبى فأباحها الله لهذه الأمة، والثانية قف عندها ولا تعجل
﴿اذكرونى أذكركم﴾ فلو استقر يقينها فى قلبك ما
جفت شفتاك، والثالثة ﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه
وفضلا﴾.
وهذا هو بعض ما أورده
الإمام
السيوطى فقط ولكنه أورد ما لا يقل عن خمسين حديثا صحيحا فى فضل الذكر شرحا لهذه
الآية.
وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه
والبيهقى فى شعب الإيمان
عن عبد الله بن ربيعة قال: سألنى ابن عباس
عن قول الله ﴿ولذكر الله أكبر﴾
فقلت: ذكر الله بالتسبيح، والتهليل، والتكبير. قال: لا. ذكر الله إياكم أكبر من
ذكركم اياه، ثم قرأ ﴿اذكرونى اذكركم﴾
البقرة 152.
· كما
ذكر الإمام
القرطبى فى شرح هذه الآية: أن أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له. وسمى
الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبى، "ونقول أنه مفتاح للذكر القلبى
مثل النية محلها القلب ولكن نلفظها باللسان للتحقق منها وإن استطعنا أن نذكر ونردد
اسم الله بقلبنا لأصبح ذكر اللسان غير مطلوب، ولكن ذكر اللسان هو المحقق حيث لا
يكون ذكر القلب إلا منحة من الله". وروى ابن ماجة عن
عبد الله بن بسر أن أعرابيا قال لرسول الله
:
إن شرائع الإسلام قد كثرت على فأنبئنى منها بشيء أتشبث به، قال: (لا يزال لسانك
رطبا من ذكر الله عز وجل). وخرج عن أبى هريرة عن النبى
قال: (إن الله عز وجل يقول أنا مع عبدى إذا هو ذكرنى وتحركت بى شفتاه).
·
كما ذكر
الإمام
الطبرى فى شرح هذه الآية: حدثنى موسى قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدى:
﴿اذكرونى أذكركم﴾
قال: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة، ولا يذكره
كافر إلا ذكره بعذاب.
·
وورد
أيضا
فى تفسير ابن كثير لهذه الآية: وفى الصحيح: (يقول اللّه تعالى مَن ذكرنى فى نفسه
ذكرته فى نفسى، ومَن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه) وعن أنَس قال: قال قال
رسول الله
:
(قال اللّه عزّ وجلّ يا ابن آدم إن ذكرتنى فى نفسك ذكرتك فى نفسى، وإن ذكرتنى فى
ملأ ذكرتك فى ملأ من الملائكة - أو قال فى ملأ خير منه - وإن دنوت منى شبراً دنوتُ
منك ذراعاً، وإن دنوت منى ذراعاً دنوت منك باعاً، وإن أتيتنى تمشى أتيتك هرولةً)
أخرجه البخارى من حديث قتادة، ورواه الإمام أحمد عن أنَس بن مالك.
مما ذكرنا يتضح الآتى:
·
ذكر الله هو
ترديد
اسمه سبحانه دون طلب لمنفعة ورد مضرة.
·
كل أنواع
العبادة
يمكن أن يطلق عليها اسم ذكر الله من حيث أنها تحتوى على ذكر الله أو تتذكر فيها
الله بقلبك ولكن هذا لا يعنى أنها هى الذكر المعنى فى ﴿الذاكرين الله كثيرا
والذاكرات﴾
وفى
﴿اذكر
اسم ربك﴾
وفى (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله) فالموضوع هنا واضح جلى.
·
تأمل
معنى
آية
﴿إذكرونى
أذكركم﴾
وكيف لا يصلح فيها هنا أى نوع آخر من العبادات وإلا لكان المعنى (صلوا لى أصلى لكم
أو حجوا إلى أحج إليكم وحاشا لله) ولكن شرحها المصطفى
فى الحديث القدسى:
﴿فإن
ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم﴾
·
وتأمل
أيضا
الحديث (ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة، ولا
يذكره كافر إلا ذكره بعذاب) فكيف يكون ذكر الكافر لله بعبادة أو صلاة!!! وإنما يكون
ذكر باللسان بدون وعى من القلب حتى. والمعنى أن ذكر اللسان دون وعى من القلب هو ذكر
أيضا وإنما يكون ذكر الله لك على حسب حالتك فإن كنت مؤمنا كان رحمة وإلا ...
·
ويجب هنا
أيضا أن نميز بين أمرين: ذكر الله وبين التذكر والتدبر والتفكر فى آلاء الله ونعمه
فالثانى وإن كان محببا ومفضلا فى الذكر ولكنه لا يكفى إطلاقا عن ذكر اسم الله
باللسان، كما أنه لا يبطله حيث قال النبى
:
(لا يزال لسانك رطبا بذكر الله) والمعنى أنه لم يشترط حضور القلب ولكنه بالطبع
مفهوم أنه يؤدى له.
·
وتجدر
هنا
الإشارة إلى أن ذكر الله تكريم لأمة المصطفى
عن الأمم السابقة حيث قال لبنى إسرائيل:
﴿يا
بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون﴾
ولكن قال لأمة المصطفى
﴿فاذكرونى
أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون﴾.
فتأمل... |