سعدنا بسؤالك المرسل إلينا بخصوص الحديث عن "ذكر القلب" والأدلة الشرعية من الكتاب
والسنة التى يثبت بها – هو ومثله من ذكر الكثرة – وإنه مطلوب من الأمة كافة تقرباً
إلى الله تعالى وسعياً إلى مرضاته.
فنقول فى ذلك: أنه من المعلوم أن المولى تبارك وتعالى فتح باب التقرب إليه بالنوافل
كما هو واضح بالحديث القدسى: ﴿ولايزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه ،فإذا
أحببته: كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها﴾ ... إلخ
الحديث. فجعل محبة الرب للعبد بالإجتهاد فى النوافل ، وهذه المحبة هى المشار إليها
فى قوله تعالى: ﴿يحبهم ويحبونه﴾ وهى مبنية على الإجتهاد فى النوافل ...
كما وضح.
ولما
كانت أعلى النوافل مع أعلى الأركان – وهو التوحيد بالشهادتين - فكان ذكر الإسم الله
والصلاة على الحبيب المحبوب
هى أعلى النوافل المقربة إليه سبحانه,
وإلى محبته للعبد. ومن أعجب العجب أن بعضاً من فاسدى العقيدة ينكرون الذكر أو
يجهلونه لقصر باعهم فى فهم كتاب الله الكريم - فقد أضلهم من هدانا ...
كما قال إمامنا الشيخ فخر الدين - فهم ينكرونه مع أن المولى تبارك وتعالى يطالب
النبى
بالذكر
فى أربعة مواطن: (أولها): فى قوله تعالى فى سورة المزمل: ﴿واذكر اسم ربك وتبتل إليه
تبتيلاً﴾ فكان التبتل ’آخر الكثرة’ حتى يكون عديم النظير فى الذكر - ومن هذا تسمية
النبى
لابنته السيدة فاطمة الزهراء
:
’بالبتول’ لأنها عديمة النظير.
و(ثانيهما): فى قوله تعالى: ﴿قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون﴾.
و(ثالثهما): فى ذكر القلب فى قوله ﴿واذكر ربك فى نفسك تضرعاً وخفية﴾.
و(رابعهما): فى ذكر الروح؛ وهو قوله تعالى فى تكملة الآية السابقة: ﴿ودون الجهر من
القول بالغدو والآصال ولاتكن من الغافلين﴾.
فكيف
يطالب الله النبى
بالذكر؛ ويسامح منه غيره؟!!
قال
تعالى: ﴿الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين﴾؛ وقال تعالى: ﴿قل إن كان للرحمن
ولد فأنا أول العابدين﴾، فهو
حبيب الله تعالى.
وماأحسن قول القائل:
توسل
بالحبيب إلى الحبيب
|
|
لتحظى بالإجابة من قريب |
· وعن
ذكر القلب؛ قال النبى
: (ذرة من أعمال القلوب خير من مثاقيل
الجبال من أعمال الأبدان)، ولكن هذا لايُدَرك إلا بكثرة الذكر حتى يصل إلى القلب.
ولايمكن تصحيح الصلوات على أوجهها التامة ولافهم آية من كتاب الله تعالى بمعناها
التام الصحيح ولاحديث رسول الله
إلا بعد تطهير القلب؛ ولايمكن
تطهير القلب إلا بكثرة الذكر وكثرة الصلاة على النبى
؛ حيث
ينصبغ القلب بنور الله فيتنور؛ كما قال جل وعلا: ﴿الله نور السموات والأرض﴾ وحينئذ
ينظر بنور الله، ومن نظر بنور الله لايخفى عليه شئ. وإن هذه المرتبة – كما يتضح-
هى مرتبة عين اليقين، وعين اليقين هو فتح البصيرة وموطن العلوم اللدنية وأول
التقرب إلى الله تعالى – كما ذكرنا فى بداية هذا الرد – وصاحب هذه المرتبة لم يبق
له إلا مرتبة الإحسان ...
· وكل
هذا
الخير الجم من التقرب إلى الله عز وجل إنما يكون على يد شيخ خبير ممن ذكرهم الله فى
كتابه العزيز فقال: ﴿واتبع سبيل من أناب إلىَّ﴾. . ، وقال: ﴿الرحمن فاسأل به خبيرا﴾
، وقال: ﴿ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾. لأنه إذا ظن ظان
أنه من الممكن أن يذكر الله بدون شيخ مرشد خبير: قلنا له خاب ظنك والتبس عليك الأمر
لأنه ينقصك أن تتعرف على مراحل الذكر وتحصيناته وأنواعه وكيفياته فى كل مرحلة من
المراحل وهذا ماأشار إليه المولى بقوله: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون﴾. فلا
يستطيع أحد الإرتقاء فى درجات الذكر والترقى إلى ذكر الكثرة بدون اتباع طريقة على
يد شيخ عليم ...
هدانا الله وإياكم إلى سبل قربه وأهل ولايته .... وجعلهم لنا
ذخراً فى الحياة والممات ... |