التمايل فى الذكر (الحضرة)
أخى الفاضل أولا وقبل أن نغوص فى الاجابة على التمايل فى الذكر فهل هناك نص بعدم
الاهتزاز أثناء الذكر؟
يقول الحق سبحانه فى علاه
﴿الذين
يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما
خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار﴾
ويفسر البعض هذه الآية على أنها للصلاة،
وهذا من ضمن المعانى،
ولكننا
إذا دققنا النظر إلى الآية جيدا نجد ﴿ويتفكرون فى خلق السموات والأرض﴾ فهل يصح
التفكر أثناء الصلاة فى خلق السموات والأرض ؟!!
وإذا كانت خاصة بالصلاة
فقط
فلماذا لم يقل على ظهورهم أو بأعينهم لأنه من المعروف جواز الصلاة -عند المرض- على
الظهر وبالعين،
ولكن لها معان أخرى،
والذى يثبت ذلك قوله تعالى ﴿فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى
جنوبكم﴾
إذاً
الصلاة شئ وذكر الله قياما وقعودا وعلى جنوبنا شئ آخر بل وأمر إلهى بنص الآية
الكريمة،
ولم تحدد الكيفية فى حالات القيام أو
القعود لأن الآية مطلقة فأنى لنا أن نقيدها من أنفسنا على هيئة معينة وقد قال تعالى
﴿فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال
*
رجال لا
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب
فيه القلوب والأبصار﴾ فتأمل قوله تعالى ﴿عن ذكر الله وإقام الصلاة﴾. فافهم.
وغير أن الذكر ليس له هيئة مخصوصة فيدعى
البعض
أن حِلق
الذكر على الهيئة التى تقام عليها الآن من تمايل الذاكرين فيها لم
تكن
على عهد النبى
ويطلبون نصوصا صريحة تؤكد أن هذا العمل من سنن السابقين وليس من ابتداع اللاحقين
وحجتهم فى هذا أن الذكر بهذه الطريقة يخدش وقار المسلم وينقص من كرامته، فلو كان
الأمر هكذا لكان من الأولى حركات الصلاة من ركوع وسجود تخدش الوقار،
ونسوا أو تناسوا أنه من مناسك الحج الهرولة فى السعى بين الصفا والمروة والمشى
السريع يذهب بهاء المؤمن كما أخبرنا سيدنا رسول الله
فى
الحديث (سرعة المشى تذهب بهاء المؤمن)
أخرجه أبو نعيم.
فيجب عليهم أن يغيروا من عبادات الإسلام لإنها تخدش وقار المسلم وتنقص من كرامته
والأمثلة فى ذلك عديدة.
إن
التمايل فى الذكر حالة طبيعية فطرة فطر الله الناس عليها انهم اذا رأوا شعيرة من
شعائر الله تعالى او آيات من عظمة قدره فإن الروح تضطرب وتهتز بنشوة من مشاهدة آثار
صفات الحق ... فكيف بمن ذكره وأورد إسمه فى لسانه وقلبه.
وأنى لنا أن ننكر التمايل فى الذكر وقد أورد عبد الله بن عقبة فى مجمع الزوائد عن
الإمام على
قائلا: كان أصحاب رسول الله
يتمايلون فى الذكر كما تمايل الريح الأشـجار.
كما أورد الإمام أحمـد
فى الزهـد
عن أبو أراكه:
وإذا ذكروا الله مادوا كما يميد النخيل فى اليوم العاصف الريح وتنهمل دموعهم حتى
تبتل ثيابهم.
وانظر معى إلى هذا الحديث الذى لم يحدد فيه أشرف الخلق حالة للذكر بل أطلقه، فقد
قال
(أيها الناس اذكروا الله على كل حال)
أورده
الديلمى وذكره
المناوى فى
كنوز الحقائق.
وقال مجاهد:
لا يكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا.
للإمام النووى
فى الأذكار.
وانظر
معى يا أخى
إلى قارئ القرآن أما تراه يهتز أثناء قراءته،
ذلك لأن كلام الله يخاطب الأرواح فتهتز طربا ويهتز معها جسدها.
ولله در القائل:
إذا اهتزت الأرواح شوقا إلى اللقا |
نعم ترقص الأشباح يا
جاهل المعنى |
وقد أخرج الإمام السيوطى فى الخصائص والسهروردى فى كتابه (عوارف المعارف) الباب
الخامس والعشرون فى القول والسماع ما
نصه:
عن
أنس بن مالك
قال:
كنا عند رسول الله
إذ نزل عليه جبريل عليه السلام فقال: يا
رسول الله إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام ففرح
رسول الله
فقال:
هل فيكم من ينشدنا؟ فقال بدرى
-أى
ممن حضر غزوة بدر-
نعم يا رسول الله، فقال رسول الله
:
هات، فأنشأ الأعرابى:
لقد لسعت حية الهوى كبدى |
|
فلا طبيب لها ولا راقى |
إلا الحبيب الذى شغفت بـه |
|
فعنده رقيتى وتريـاقى |
فتواجد رسول الله
وتواجد الأصحاب معه حتى سقط رداؤه عن منكبه، فلما فرغوا آوى كل
واحد منهم إلى مكانه.
فقال معاوية بن أبى سفيان: ما أحسن لعبكم يا
رسول الله،
فقال
:
(مه يا
معاوية ليس بكريم من لم يهتز عند سماع ذكر الحبيب)، ثم قسم رداءه
على من حاضرهم بأربعمائة قطعة.
ومعنى التواجد أى الاهتزاز، وسقوط ردائه دلالة على شدة الاهتزاز.
وأخرج الإمام أحمد فى الزهد عن ثابت البنانى قال كنت عند رسول الله
لما نزلت ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم﴾ فخرجنا نلتمسهم فوجدنا سلمان فى عصابة
يذكرون الله فلما رأونا كفوا فقال
:
(ما
كنتم تقولون؟) قال سلمان: نذكر الله الله، فقال
:
(إنى رأيت الرحمة تغشاكم،
الحمد لله الذى وجد فى أمتى من أمرت أن أصبر نفسى معهم).
وللحديث رواية أخرى عن
عثمان بن مظعون ورواية ثالثة عن عبد الله بن رواحة.
وعن
جابر
قال: خرج علينا رسول الله
فقال (يا
أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر فى الأرض، فارتعوا
فى رياض الجنة)، قلنا: وأين رياض الجنة يا
رسول الله؟ قال
:
(مجالس الذكر فاغدوا وروحوا فى ذكر الله وذكروه أنفسكم).
أخرجه الطبرانى
والحاكم وأبوالدنيا وأبويعلى والبزار وصححه البيهقى
وعن أبى أراكة قال:
صليت خلف الإمام على بن أبى طالب صلاة الصبح فلما سلم جلس وعليه كآبة فمكث حتى طلعت
الشمس قدر رمح فصلى ركعتين فلما انفتل عن يمينه قلب يده وقال: والله رأيت أصحاب
محمد
وما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون شعثا غبرا قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون
كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر
فى يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم.
أخرجه الإمام أحمد فى
الزهد وابن أبى الدنيا والحافظ أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر.
وقال
:
(اذكروا الله ذكرا حتى يقول المنافقون أنكم تراؤن)
أخرجه الإمام أحمد.
وفى رواية أبو يعلى الموصلى (اذكروا الله ذكرا كثيرا حتى يقولوا مجنون)
للإمام المناوى فى
كنوز الحقائق.
وفى رواية الإمام أحمد (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون).
وجاء فى كتاب الأذكار للإمام النووى عن ابن عمر
قال: قال رسول الله
(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)، قالوا: وما
رياض الجنة يا
رسول الله؟ قال: (حلق الذكر فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر
فإذا أتوا عليهم حفوا بهم).
من سلسلة العطايا-كتاب
الذكر
الخلاصة:
لاحظ كلمات القرآن والحديث التى
وردت فى الذكر، وكيف دلت على قبوله على أى حال، بل إنها صلت إلى ألا تبالى إن قال
الناس أنك مجنون أو مرائى، ولاحظ كلمات: إرتعوا فى رياض الجنة، واغدوا وروحوا فى
ذكر الله، مادوا -مالوا- كما يميد الشجر فى يوم الريح، ولاحظ تواجد المصطفى
وأصحابه حتى سقط عنه رداءه، ولاحظ حلق الذكر فى المسجد يقولون ’الله الله’، وغير
ذلك مما أوردناه ومما هو موجود فى إجابات الأسئلة الأخرى فى هذه الصفحة، ومن هنا
نفهم أن التمايل فى الحضرة والالتفاف هو عمل مشروع يؤيده القرآن والسنة، ويتماشى مع
الفطرة التى فطر الله الناس عليها، ولاحظ: (ليس بكريم من لم يهتز عند سماع ذكر
الحبيب). |